نستقبل عامًا هجريا جديدًا .. فنتذكر أطفال فلسطين .. ولا يخفى على أحد ما يحدث لأطفال فلسطين .. لا أقول كل عام .. وإنما كل يوم وكل ساعة، من تعرضهم للتعذيب والذل والهوان، بل وتعرضهم للموت والقصف والإصابة؛ فهذا الطفل أصابته رصاصة في عينه، وذاك في ظهره، وذلك في قدمه، وآخر في يده، وهم لا يملكون سوى الحجارة التي تُلقي الرعب في قلوب اليهود.
هناك طفل يواجه دبابة إسرائيلية تقتحم المناطق السكنية الفلسطينية، وطفل آخر يصيب دبابة أخرى برشقات الحجارة التي هي أقوى من رشقات الرصاص، وطفل ثالث يقف أمام دبابة متقدمة نحو إخوانه الفلسطينيين؛ ليوقفها عن تقدمها عن طريق الحجارة؛ تلك الحجارة التي هي بمثابة السلاح المتخلف دون سلاح اليهود، ومع ذلك فهي تفتك بجنود إسرائيل، وتقتحم حصونهم، وتجعل هؤلاء الأطفال يعودون إلى بيوتهم في المساء وهم يشعرون أنهم انتصروا على أعدائهم بنصر أعاد إلى قلوبهم الأمل والبهجة، وربى في قلوب أعدائهم الخوف والرهبة.
ومن أهم الأسباب التي أمدت هؤلاء الأطفال بتلك القوة ما نشئوا فيه من اضطهاد الاحتلال الفلسطيني لهم، ومعاناتهم بسبب هذا الاضطهاد، فوقفوا يدافعون عن أرضهم، ويقاومون الاحتلال، ويصدون تلك الجرائم البشعة التي يرتكبها الإسرائيليون في حقهم، وهم يتمنون أن يأتي اليوم الذي يعيشون فيه بأمان كما يعيش غيرهم من الأطفال في كثير من أنحاء العالم.
ومع كل هذه القوة التي ألقى الله بها في قلوب أطفال فلسطين، إلا أن أعينهم تذرف العبرات، عندما ينظرون إلى أنفسهم فيرون أنهم قد فقدوا آباءهم وأمهاتهم وإخوانهم وأخواتهم وذويهم، ويرون من حولهم يتمتعون بما لم يتمتعوا به.
إن العدو يرمي بأطفال فلسطين في المعتقلات؛ لتعذيبهم والنيل منهم؛ مما أدى إلى سوء أوضاعهم، وإصابتهم بالأمراض المختلفة، كما يستهدف العدو مدارسهم؛ مما أدى إلى تخلف الكثير منهم عن الذهاب لمدارسهم ومواصلة تعليمهم.
لقد قام أطفال فلسطين بتقديم رسائل لا تعد ولا تحصى إلى العالم كله من أقصاه إلى أقصاه، في محاولة منهم للفت أنظار هذا العالم إليهم، ولكن دون جدوى.
تلك الرسائل التي قام هؤلاء الأطفال بإرسالها هي الرسائل التي قاموا بتوقيعها عن طريق دمائهم واستشهادهم وآلامهم واغتيالهم وإصاباتهم وإباداتهم وقتلهم وقذفهم وتمزيقهم وتطاير أشلائهم.
وتارة أخرى يرسلون رسالة شديدة اللهجة عبر الانتفاضة التي يصرخون فيها بأعلى أصواتهم في وجه الأعداء، وهي في الحقيقة صرخة في وجه كل من رضي لهم أن يعيشوا في ظل هذا الهوان؛ لعل هناك من يسمع صرخاتهم؛ تلك الصرخات التي تعبر عما يجيش بداخلهم من حزنهم المكلوم، وغيظهم المكظوم، وألمهم المكتوم.
ومرة ثالثة يرسلون رسالة عبر قولهم حال تضرعهم إلى ربهم: (حسبنا الله ونعم الوكيل).
ومرة رابعة يرسلون رسالة عبر نظراتهم الثاقبة وأعينهم النافذة دون أن ينطقوا، والنظر في كثير من الأحايين يكون أبلغ من الكلام.
فهلا استقبل العالم إحدى تلك الرسائل بشيء من الاهتمام .. وهلا قام بقراءتها قبل فوات الأوان .. !!