بقلم: د. حسن الحيوان

الغيرة طبيعية عند كلِّ البشر رجالاً ونساءً صغارًا وكبارًا بسطاء ومثقفين، أما بالنسبة للحكومة فلا يمكن أن تعاني من نار الغيرة؛ حيث لا يوجد أي منافس للحزب الحاكم الذي يحميها، فالجميع أحزاب ونقابات وهيئات وجمعيات المجتمع المدني تحت السيطرة، كما أن الحكومة لا تعاني ولا حتى تشعر بنار الحب؛ لأنها وبجميع المقاييس لا تعطي اهتمامًا كبيرًا بالشعب، فمهما كان من تقصير الحكومة في حقِّ الشعب، فهي تنتظر المديح والتبعية وإلا فلا.



أما بالنسبة إلى نار الرشوة فالحكومة تحارب الرشوة وتحذِّر منها، وفي الوقت نفسه تشجعها وتعتبرها حلاً سحريًّا للقضاء على العقبات في سبيل تحقيق الأهداف، وحتى لا يعجب القارئ دعونا نتأمل في حال الدولة وهي تسعى لتحقيق أمر ما، فمثلاً قُبَيْل انتخابات مجلس الشعب- أي الفترة الحالية- تجند الحكومة كلَّ طاقاتها من أجل تحقيق اكتساح الحزب الوطني في كلِّ الدوائر، فتبدأ التصريحات ويتحول المُحَرَّم على المواطنين مباحًا لأنصار الحزب الوطني فقط، وأحيانًا الممنوع مسموحًا به للجميع، فالكهرباء تدخل المناطق العشوائية التي بناها أصحابها بالمخالفة للقوانين، كما تقوم الدولة برصف الطرق التي ليست في خطة الرصف وتفتح الباب على مصراعيه للاستثناءات، فيحمل أعضاء الحزب الوطني طلبات أبناء دوائرهم إلى الوزراء أعضاء الحزب الوطني للموافقة عليها دون اعتبار لمطابقة ذلك للقوانين واللوائح.



الأخطر من ذلك هو تعيين الدولة للموظفين بمرتبات هزيلة، لكن الموظفين يعيشون ويلبسون ويأكلون وقد يمتلكون السيارات وبعض الكماليات، والدولة لا تبحث كيف يتحقق ذلك!!



* الحقيقة أن هناك عقدًا غير مكتوب بين الحكومة والموظفين بأن يتكسبوا من خلال عملهم أو أن يعتبروا مهامهم الوظيفية عملاً خاصًا يقومون به لحسابهم الخاص مقابل ما يدفعه المواطنون من إكراميات أو رشى أو هدايا، وأحيانًا أي شكل من أشكال تبادل المنفعة المادية بشرط غير مكتوب أيضًا وهو ألا يسقط الموظف الحكومي متلبسًا بالرشوة، والجميع يعرف جيدًا كيف أن بعض الموظفين يقاتلون للاحتفاظ بالمواقع الوظيفية التي تحتوي على التعامل مع الجماهير بشكل يحقق إمكانية الكسب غير المشروع، وأحيانًا يتم رفض الترقي إلى درجة وظيفية أعلى لنفس السبب.



* أما أخطر الرشى هو التهاون في قوانين البناء على الأراضي الزراعية، بل وإعلان وزارة الأوقاف بالاتفاق مع وزارات التنمية والزراعة والإسكان على بناء مساكن للشباب على أراضي الأوقاف الزراعية كمشاركة من الأوقاف في حلِّ مشكلة الإسكان؛ ما سيقضي على نسبة كبيرة من مساحة الأرض الزراعية، لكنها سياسة الحكومة لرشوة الجماهير؛ للحصول على رضاها في ظرف وتوقيت معين تحتاج فيه الدولة لمهادنة الشعب؛ لتحقيق مكاسب سياسية بحسابات ضيقة على حساب بعض القضايا الإستراتيجية التي تهم المجتمع، ويفترض أن تكون في أول قائمة اهتمامات الدولة والحكومة.



* هل نداري يا سادة أم نداوي, الرشوة أصبحت في شتى المعاملات الحكومية وصولاً إلى تقنينها على المستوى الإداري، وإباحتها على المستوى الشرعي حسب الأهواء الشخصية.



ولا يسعنا إلا أن نؤكد أن تدهور الأحوال العامة والتراجع في انتماء المواطن للوطن لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية، والحل هو الحرية والحريات العامة التي ينادي بها جميع شعوب العالم في جميع المجالات، كما نؤكد أن للحرية استحقاقاتها، فبالرغم من أن المواطن يحتاج للحريات العامة ليشارك سياسيًّا ويتظاهر سلميًّا دون أن يتعرض للقمع، إلا أن التاريخ والواقع الحالي يؤكدان أن الحرية لا تُمْنَح بل تُنْتَزَع عن طريق التظاهر وشتى أنواع الكفاح السلمي، هذه هي الحلقة المفرغة التي ندور فيها وعلى كل منَّا أن يبدأ بنفسه.

----------------------

* رئيس جمعية المقطم للثقافة والحوار- hassanelhaiwan@hotmail.com