الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله وبعد:
فتعيش الأمة الإسلامية هذه الأيام موسمًا عظيمًا من مواسم الخير.
قال - تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
إلا أن هناك مخالفات يقع فيها بعض الصائمين أحببت التذكير بها، أداءً لحق الله - تعالى -، وقيامًا بواجب النصيحة.
فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((رُبَّ صائم ليس له من صيامه إلا الجوع، ورُبَّ قائم ليس له من قيامه إلا السهر))[1].
فبيَّنَ النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث أن طائفة من الناس يصومون لكن لا يُكْتَبُ لهم عند الله أجر الصائمين، وإنما نصيبهم من هذا الصيام الجوع والعطش، وذلك لأن الجوارح لم تمتنع عن معصية الله، فالعين تنظر إلى ما حرم الله، والأذن تستمع إلى ما حرم الله، واللسان يتكلم بما يغضب الله.
قال - تعالى -: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا} [الإسراء: 36] وطائفة أخرى تقوم الليل ولكن لا يكتب لهم أجر القائمين، إما لفقدان الإخلاص في عبادتهم، أو لعدم موافقتها لِهَدْيِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أو لغير ذلك.
ولذا ينبغي للصائم أن يحذر من الوقوع في المعاصي، فليس الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب فحسب، وإنما إمساك الجوارح عما حرم الله.
ومن هذه المخالفات: تأخير الصلاة عن وقتها، فبعض الصائمين ينام بعد تناوله لوجبة السحور فلا يستيقظ إلا عند طلوع الشمس، فيضيع صلاة الصبح، وآخرون ينامون قبل صلاة العصر، فلا يستيقظ أحدهم إلا عند غروب الشمس، فيضيع صلاة العصر قال - تعالى -: {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [النساء: 103]، وعن بريدة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله))[2].
وقال - تعالى -: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون: 4-5]، جاء في حديث مصعب بن سعد، قال: "سألتُ أبي فقلت: يا أبتاه، أرأيت قوله - تعالى -: {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} أيُّنا لا يسهو ولا يحدث نفسه"؟! قال: "ليس بذلك، إنما هو إضاعة الوقت يلهو حتى يضيع الوقت"[3].
وفي مثل هؤلاء يقول - تعالى -: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم: 59].
ومنها التخلف عن صلاة الجماعة، فبعض الصائمين يؤدون الصلاة لوقتها، ولكنه يتخلف عن صلاة الجماعة، قال - تعالى -: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِن وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن كَانَ بِكُمْ أَذًى مِّن مَّطَرٍ أَوْ كُنتُم مَّرْضَى أَن تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء: 102].
وفي هذه الآية وجوب صلاة الخوف جماعة في حال الحرب، ففي حال السلم من باب أولى.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاةُ العشاء وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا، ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))[4].
ومنها السهر الطويل أكثر الليل أو كله على شاشات القنوات الفضائية، التي تبث شرورها وسمومها على أشكال متعددة، حيث يعرض بها برامج يقصد بها تشكيك المسلمين في دينهم، وإظهار عظمة الكفار والإعجاب بحضارتهم، كالتمثيليات الهابطة، والأغاني الماجنة، والصور الخليعة.
ومنها ما يفعله بعض الصائمين المبتلون بشرب الدخان - هداهم الله - فبدلاً من أن يفطروا على ما أحل الله لهم من الطيبات، يفطرون على الدخان، الذي بعث الله رسوله بتحريمه وأمثاله؛ قال - تعالى -: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157].
ومنها: الفحش والبذاءة في اللسان وسائر المعاصي الأخرى، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((مَن لم يَدَعْ قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يَدَعَ طعامه وشرابه))[5].
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابَّه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم))[6].
ومنها كثرة النوم لساعات طويلة، وحديث: ((نوم الصائم عبادة)) حديث ضعيف لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم -.
فلا ينبغي للمسلم أن يضيع ساعات الصوم بكثرة النوم، فإن المسلم يسأل عن وقته يوم القيامة.
عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن علمه فيمَ فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيمَ أنفقه، وعن جسمه فيمَ أبلاه))[7].
قال الشاعر:
وَالْوَقْتُ أَنْفَسُ مَا عُنِيتَ بِحِفْظِهِ *** وَأَرَاهُ أَسْهَلَ مَا عَلَيْكَ يَضِيعُ
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.